تحول الغذاء واعتماده على مصادر حيوانية كثيرة الدهون قليلة الألياف ساهم في نشوء أمراض القلب والسرطان... 2/1
الطعام.. دواء قوي وفعال
جريدة الرياض - أ.د. جابر بن سالم :
يقال إن أربعة من بين الأسباب العشرة الرئيسية للوفاة في الولايات المتحدة الأميركية هي أمراض القلب، والسكتة المخية والسكر والسرطان. وهي في الحقيقة ترتبط بطريقتنا في الأكل. وهناك اتجاه متزايد لأن يكون الطعام هو السبب أو العامل المشارك في حدوث أمراض أخرى بدءاً من حب الشباب إلى الالتهاب المفصلي ومن فقدان الشعر إلى فقدان السمع ومن المتلازمة قبل الحيضية إلى التقطر خلف الأنفي.
الكل منا يتذكر ما قاله أبقراط أبو الطب الذي عاش حوالي عام 400 قبل الميلاد عندما قال عبارته المأثورة "اجعل طعامك دواءك واجعل دواءك طعامك". وليس أبو قراط أبو الطب وحده الذي قال هذا القول المأثور فالعالم أديسون مخترع المصباح الكهربائي الذي قال "إن طبيب المستقبل لن يعطي أدويته لمرضاه ولكنه سيجعل مرضاه يهتمون برعاية الكيان البشري بالنظام الغذائي وبأسباب المرض ".
يقول د. مايكل إيي كلابر أحد أخصائي الطب الغذائي في بومبانوبيتش بولاية فلوريدا، ومدير معهد التثقيف والبحث الغذائي، وهي منظمة مقرها في منهاتن بيتش بكاليفورنيا، والتي تزود الأطباء بمعلومات عن التغذية وعلاقتها بالمرض: "إن ما هو مأساوي حقاً عن هذا الأمر هو أننا كنا مشغولين بأن نتعلم في كلية الطب كيف نصلح الأذرع المكسورة ونولد الأطفال ونفعل كل تلك الأشياء التي يفعلها الطبيب لدرجة أننا اعتبرنا التغذية شيئاً يثير الضجة ولا يستحق الاهتمام. ولكن بعد أن تعمقنا أكثر في الممارسة الطبية أصبحنا نقضي معظم يومنا نعالج الناس من أمراض لها أسس غذائية كبيرة طالما كنا نهملها في الماضي. وكثيراً ما تصلني مكالمات من أطباء من طول البلاد وعرضها يخبرونني أن مرضاهم يوجهون أسئلة عن التغذية ودورها في حالاتهم المرضية، وأنهم لا يعرفون بماذا يجيبونهم".
والآن، وبعد عشرات السنين من الاعتماد على العقاقير والجراحة عالية التقنية والتكلفة فقد صار عدد متزايد من الأميركيين على وعي بكلمات أبقراط وأديسون، وصاروا يدركون الحقيقة التي كانت معروفة في قديم الزمان ألا وهي: ان الطعام دواء قوي وفعال.
وفي بداية القرن العشرين كان العلاج بالطعام يمارس على نطاق واسع كطريقة لشفاء المرضى وللمحافظة على صحة الأصحاء وقد أظهرت اكتشافات أثرية في بلاد ما بين النهرين (العراق) والتي يعتقد أنها ترجع إلى 5000 عام أن قدماء السومريين والأشوريين والبابليين والأكاديين كلهم استخدموا الأطعمة والأعشاب والتوابل كأدوية. وقد عالج قدماء المصريين حالات الربو بالتين والعنب واستخدموا الثوم في شفاء حالات العدوى وغيرها من الحالات المرضية وهو ما نستأنفه اليوم. كما استخدم الكرفس منذ عام 200 ميلادية في الطب الشعبي الآسيوي لخفض ضغط الدم. وعلى مر الأجيال تبين أن ما كان يعتقده البحارة من أن عصير الليمون يمكن أن يقي من الإصابة بمرض الإسقربوط في الأسفار الطويلة هو اعتقاد صحيح.
وحتى بداية القرن العشرين كان العلاج بالطعام يمارس كثيراً في الولايات المتحدة. فقبل هذا الوقت كانوا أساساً أمة من المزارع الصغيرة. يقول د. كلابر ": لقد كان الناس أساساً يأكلون مما يزرعون وما كانوا يزرعونه هو الفواكه والخضروات والحبوب، وهي أطعمة كاملة غنية بالعناصر الغذائية والألياف النباتية وقليلة الدهون. ونظراً لأنهم لم يكونوا يعرفون المضادات الحيوية وغيرها من الأدوية التي نستخدمها اليوم، فقد كانت حدائقهم تقوم بدور الصيدلية الطبيعية " . انني أذكر وأنا طفل قبل ستين عاماً وأنا أعيش في قريتي التي تبعد عن مدينة أبها حوالي 50 كيلو متراً كان الناس في القرية يعتمدون في غذائهم وعلاجهم على ما تنتجه مزارعهم وكانوا لا يعرفون المستشفيات لأنه لا يوجد مستشفيات في ذلك الوقت ، ربما توجد في المدن الكبيرة، لكن لا توجد مواصلات تأخذهم إلى المدن الكبيرة التي توجد فيها مستشفيات حتى بدائية. كان الناس في القرى يتمتعون بصحة ممتازة وكانت الأمراض شبه معدومة ذلك لأنهم يأكلون ما تحصده أيديهم من مزروعات.
أما في السنوات الأخيرة فقد تحول الغذاء من كونه قليل الدهون، كثير الألياف وعلى أساس نباتي إلى غذاء يتركز على مصادر حيوانية كثيرة الدهون قليلة الألياف ويضيف د. كلابر قائلاً: " وهذا ساهم في نشوء كثير من الأمراض التي نراها اليوم مثل أمراض القلب والسرطان، وقد كان الناس قبلها نادراً ما يصابون بالسرطان. أما أمراض القلب فهي من أمراض القرن العشرين. فأول نوبة قلبية قد تم وصفها في مجلة الجمعية الطبيعية الأميركية في عام 1908م . وفي الواقع أنك إذا تصفحت أي كتاب طبي في عقد الستينات من القرن التاسع عشر. فلن تجد أي شيء عن تصلب الشرايين وحتى لو كانت تلك الحالة موجودة حينئذ، فقد كانت نادرة ولا يتم التعرف عليها بصفة عامة. أما الآن فهي واحدة من أكثر الحالات المرضية انتشاراً ".
إن الطعام الذي نتناوله اليوم هو أكبر العوامل المتسببة في حدوث أمراض القلب التي هي على قمة أسباب الوفاة في الولايات المتحدة. ويعتقد أن الغذاء لعب دوراً حاسماً في حوالي 30% من حالات السرطان وشيئاً فشيئاً يتزايد حدوث أمراض أخرى.
يقول د. نيل برنارد رئيس لجنة الأطباء للطب المسؤول في العاصمة واشنطن ومؤلف كتاب Food For Life وكتب أخرى عن العلاج بالطعام: "عندما تجلس في مائدة الطعام لتتناول وجباتك ثلاث مرات في اليوم، فإنك تزود جسمك بجرعات مكثفة وكميات هائلة من أشياء يترتب عنها ما سيتدفق بعدها في شرايينك وغيرها من أوعية دموية لبقية يومك، وأغلب الناس لا ينظرون إلى الطعام باعتباره دواء، ولكنه في الواقع هو أكبر دواء نتعرض له يومياً".
ولسوء الحظ ان معظم هذا الدواء في حد ذاته يسبب المرض فأغلب الأطعمة في النظام الغذائي الأميركي لم تعد كاملة Whole وهو مصطلح يستخدم لوصف طعام يوجد في أفضل صورة طبيعية غير مغشوشة، أي غير مصنع، وخال من المواد الحافظة والإضافات الكيميائية. ولكن حتى معظم الفواكه والخضروات الطازجة والتي هي بالتأكيد أفضل الأطعمة في النظام الغذائي في قيمتها الغذائية مشكوك في أمرها 10% فقط من المنتجات الغذائية يعتبر عضوياً، أي تم إنباته وإنتاجه بدون استخدام المبيدات المسببة للسرطان والأسمدة الكيميائية وغيرها من الكمياويات الخطرة (بيل غوتليب).
يقول د. السون هاس، مدير المركز الطبي للمارين في سان رفائيل بكاليفورنيا ومؤلف كتاب Staying Heatlty with Nutrition " عندما يتم تجهيز أحد الأطعمة أو تكريره، فإنه يفقد قوته الغذائية. إذ تقل فيه الألياف والفيتامينات، وتزيد الدهون وتكثر السكريات البسيطة وهذا يسبب المتاعب" ويضيف قائلاً: " إن السبب وراء سقوط الكثيرين منا فريسة للمرض واستمرارهم مرضى هو اختلال التوازن الغذائي. وحينما نفكر في هذا الاختلال فلا بد أن نضع في اعتبارنا مشكلتين أساسيتين: الاحتقان فكثير من الأطعمة الضارة تدخل أجسامنا ولا تتعامل الأجسام معها ولا تطردها بشكل سليم والنقص، الذي ينتج عن عدم حصولنا على كفايتنا من الفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية والأحماض الدهنية الأساسية. وكل من هاتين المشكلتين يتعارض مع قدرة الجسم على أداء وظائفه الضرورية وهكذا نصاب بنزلات البرد وجفاف الجلد وسقوط الشعر ونشعر بالإجهاد".

غذاء اليوم يرتكز على مصادر حيوانية كثيرة الدهون قليلة الألياف

اجعل طعامك دواءك واجعل دواءك طعامك

الاعتماد على العقاقير والجراحة عالية التقنية والتكلفة صار من ضروريات العصر
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق