الدراسات تؤكد وجود علاقة وثيقة بين الأمراض العقلية
- خاصة الاكتئاب
- وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة
الحقيقة الغائبة..
دون صحة عقلية لا وجود لصحة حقيقية في الجسد!
بعد مرور أكثر من نصف قرن من الزمن تتكشف لدينا العديد من الأدلة والبراهين العلمية ونتائج الدراسات والأبحاث العلمية التي تدعم صحة مقولة "دون صحة عقلية لا وجود لصحة حقيقية في الجسد" وهو الشعار الذي رفعه ونادى به الدكتور بروك كيشولم، الطبيب النفسي وأول مدير عام لمنظمة الصحة العالمية، هذه الحقيقة الغائبة تؤكد وجود علاقة وثيقة بين الأمراض العقلية - خاصة الاكتئاب - وارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، لاسيما أمراض القلب والأوعية الدموية والذبحة الصدرية، وداء السكري، والسرطان، ووفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية فإن الأمراض العقلية تعتبر عوامل خطورة بحد ذاتها، فعلى سبيل المثال، مرضى النوع الثاني من داء السكري، عرضة للإصابة بالاكتئاب بمعدل الضعف عن غيرهم، فيما يعاني السكريون المصابون بالاكتئاب من زيادة صعوبة العناية بالذات، كذلك تقدر نسبة المصابين بالاكتئاب بين المدخنين بضعف المدخنين من غير المكتئبين، أما المصابون بداء الانسداد الرئوي المزمن فيرتبط المرض العقلي بحدوث مضاعفات سريرية خطيرة لديهم، بينما يعاني نحو 50% من مرضى السرطان من الاكتئاب والقلق، في الوقت الذي قد تُحسن معالجة أعراض الاكتئاب عند مرضى السرطان مدد بقائهم على قيد الحياة بإذن الله، وبصورة مشابهة، يصل خطر الإصابة بالنوبات القلبية لدى مرضى الاكتئاب، أكثر من مثلي النسبة لدى المرضى العاديين، علاوة على ذلك، يزيد الاكتئاب خطر الموت عند المصابين بمرض قلبي، فيما أكدت نتائج الأبحاث السريرية إضافة لما سبق أن معالجة أعراض الاكتئاب بعد التعرض لنوبة قلبية تخفض معدلات الوفيات.
ويقول الدكتور نواف بن عبدالعزيز الحارثي، استشاري الأمراض النفسية، مدير عام مستشفى الصحة النفسية بجدة، المملكة العربية السعودية، ان مرض الاكتئاب هو اضطراب نفسي وعقلي شائع يتميز بنزوع المريض إلى الحزن، واللامبالاة وفقدان الاهتمام، والشعور بالذنب مصحوباً بفقدان التركيز ونقص الشهية، والأرق والشعور بالإرهاق، وحسب تقارير منظمة الصحة العالمية فهناك أكثر من 350 مليون شخص حول العالم يعانون من مرض الاكتئاب الذي تم تصنيفه رابع أهم الأسباب المؤدية للإعاقة والوفاة في سن مبكر على مستوى العالم منذ عام 2001م، ويتوقع أن يتحول إلى السبب الأول للإصابة بالعديد من الأمراض والإعاقة بحلول عام 2030م، ويضيف الدكتور نواف الحارثي أن منظمة الصحة العالمية تطالب بتحسين إتاحة العلاج لجميع من يحتاجون إليه نظراً لوجود فجوة كبيرة بين عدد الأشخاص الذين بحاجة للمعالجة من مرض الاكتئاب مقابل عدد الأشخاص الذين يحصلون فعلياً على العلاج حيث تشير الإحصائات أن نحو 75% من المصابين بالاكتئاب في الدول النامية – لاسيما بمنطقة الشرق الأوسط -لا يتلقون العلاج المناسب مما يتعارض مع أهداف منظمة الأمم المتحدة المعلنة في بيان Millennium Development Goals، ويمكن أن يفضي الاكتئاب في أسوأ حالاته إلى الانتحار، ومما يُؤسف له أن عدد من يقدم على الانتحار سنوياً يبلغ مليون شخص تقريباً، منهم نسبة كبيرة من المصابين بالاكتئاب، وأكد الحارثي أن نقص الوعي بمرض الاكتئاب بالإضافة إلى وصمة الخجل المرتبط بهذا المرض - بصفة خاصة والأمراض النفسية على وجه العموم - يمثلان أهم العوائق المؤدية إلى عدم التشخيص الصحيح للمرض وحرمان المريض من الحصول على العلاج المناسب ويعني المزيد من المعاناة سواء في صمت بالنسبة للمريض وكذلك المخالطين له، هذا بالإضافة إلى أن هناك العديد من المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بالاكتئاب ووصف العلاج المناسب لهم لكنهم لا يلتزمون بتعاطي العلاج على الإطلاق أو حتى يتجاهلون تعليمات الاستخدام الموصوفة من قبل الطبيب وهو ما يمثل تحديا آخر.
وأشار البروفيسور راكيش جين، أستاذ الطب النفسي بجامعة تكساس، الولايات المتحدة الأميركية، الذي قام مؤخراً بزيارة عدد من المستشفيات بمختلف مناطق المملكة العربية السعودية للاطلاع على بعض الحالات وتبادل الخبرات مع خبراء الطب النفسي بالمملكة، أن الطب الحديث أظهر وجود علاقة رئيسية بين مستويات مادة كيميائية بالدماغ تسمى "نورابنفلرين" والإصابة بالاكتئاب، وأكد جين أن الزيادة المطردة في أعداد مرضى الاكتئاب في العالم من كافة الأعمار والمراهقين والشباب ومتوسطي العمر والمسنين من الجنسين تمثل تحدياً هائلاً، حيث تشير التقديرات إلى أنّ ربع سكان العالم سيصابون بمرض نفسي في مرحلة ما من حياتهم، وتتسبّب تلك الأمراض في حدوث عدد كبير من الوفيات وحالات العجز، وهي تمثّل 8.8% و16.6% من عبء المرض الإجمالي الناجم عن الاعتلالات الصحية في البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل، على التوالي، وعن علاقة الاكتئاب والقلق بالشعور البدني بالألم أشار جين إلى نتائج إحدى الدراسات العالمية تؤكد أن أعراض القلق والاكتئاب تسبق الإحساس بالألم الجسدي لدى 3 من كل 4 مرضى، وأن الاكتئاب والقلق يزيدان من تعقيد الألم العضوي وصعوبته.
ومن جهة أخرى أظهرت إحدى الدراسات الهامة التي أجريت على المستوى المحلي بالمملكة العربية السعودية أن 22 بالمئة من المرضى بمدينة الخبر يعانون من أحد أنواع الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والقلق، غير أن 8 بالمئة فقط من هذه النسبة تم تشخيص حالاتها على النحو الصحيح، في حين تراوحت نسبة من يعانون بالاضطرابات النفسية من بين الأشخاص الذين قاموا بمراجعة عيادات الرعاية الصحية الأولية بالرياض بين 30 – 40 بالمئة، إلا أن معظمهم لم يتم تشخيص حالاتهم، كما وجد أن 18 بالمئة من البالغين في المنطقة الوسطى بالمملكة يعانون من نوع من الاعتلالات النفسية بدرجة تتراوح بين خفيفة إلى معتدلة.
وعن أحدث وسائل العلاج قال جين إن علاجات الاكتئاب كانت تعتمد في السابق على مثبطات السيراتونين (SSRI)، إلا أن مدونات الجمعية الأميركية للصحة النفسية (APA) والشبكة الكندية لعلاج الاضطرابات المزاجية والقلق (CANMAT) تنصح باستخدام الأدوية الحديثة من فئة مثبطات السيراتونين و نورادرينالين (SNRI) كخط علاج أول للاكتئاب، ذلك لأنها تساعد في تحسين حالة الإرهاق والتعب ونقص التركيز وكذلك تقليل مخاطر الضعف الجنسي وزيادة الوزن المصاحب للاكتئاب ولبعض الخطوط العلاجية الأخرى، بالإضافة لكونها تتمتع بمعدلات نجاح ودرجة أمان عاليه، وأضاف "أن المفاضلة بين استخدام مضادات الاكتئاب المختلفة يعتمد في المقام الأول على تقليل الآثار الجانبية المتوقعة وعنصر الأمان الذي يتمتع به الدواء ومدى تحمل المرضى لمثل هذه الأعراض الجانبية بالإضافة إلى التأثير العلاجي لهذه الأدوية وعدم تعارضها مع أي أدوية أخرى يتناولها المريض ودعا راكيش الأطباء وصف العلاج الدوائي المناسب لكل حالة على حدة، مطالباً المرضى وذويهم بعدم الخجل من زيارة الطبيب النفسي والخروج من دائرة المعاناة في صمت.
واختتم جين حديثه مشدداً على أهمية الاسترشاد والعمل بالقواعد الإرشادية العالمية في تشخيص المرض وتحديد العلاج المناسب بشكل دقيق مؤكداً أن ذلك ولاشك سيساعد الأطباء في تقديم أفضل مستوى ممكن من الرعاية الصحية للمرضى.



ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق