العامة يستخدمون أعشاب المرة والحلتيتة كواقٍ ضدها والأطباء يحذِّرون
الشمم .. الروائح والعطور لا تؤثر سلباً على الجروح!
جريدة الرياض - د.أحمد الزبيدي :
كنت قد انهيت عملية استئصال قولون بالمنظار ظهر ذلك اليوم لمريض عانى من ترهلات قولونية سببت التهاباتها -كثيراً من المرات- آلاماً مبرحةً لمريضي الذي يعمل مهندساً ميدانياً في إحدى شركات بلدي الكبرى.
زرته بعد صلاة العشاء متحمداً له بسلامته بعد العملية ومتابعاً لحالتيه النفسية والجسدية لمرحلة ما بعد العملية والتي انتهت على ما يرام والحمد لله. وجدت لديه زواراً من أقاربه وأحبابه وأصدقائه والجميع فَرِحٌ مستبشرٌ.
كان المريض مضجعاً على السرير، باديةً عليه علامات الراحة والاستقرار الجسدي، خلا فترات من الألم المُتّحَمْل الذي يزول مع أدوية الألم. إلا أني لاحظت أنه يضع سدادتين بنية اللون في منخاريه ويتنفس من فمه وقد وضع أحد الزوار له قنينتين بلاستيكيتين (علبة ماء صحي) على الطاولة التي بجانب السرير تحتوي على سائل بني وأخرى بها سائل زهري اللون.
كانت هذه المرة الأولى التي أرى فيها أحداً يضع سدادة في خشمه وبالرغم من أني قد رأيت تلك القارورة البلاستيكة ذات السائل البني، إلا أنها أول مرة أرى السائل الزهري.
سألت المريض: يا أبا عدي ما هذا الذي تضعه في خشمك وما تلك السوائل بجانبك؟! ضحك الجميع وقالوا لى ألا تعرف ما هي هذه الأشياء أم أنك تداعب أبا عدي؟! قلت لهم مجيباً أني أعلم أن السائل البني منقوع شجرة المرة أما السدادة والسائل الآخر فلا علم لي بهما!!
![]() |
| المرة |
أجابني شيخ من الجمع أن السدادة هى شجرة المرة نفسها، أما السائل الآخر فإنه خليط من عدة أعشاب أهمها خاوا جوا، وأبو عدي هنا يستخدمها لتقيه بعد الله من أن يستشم ويلتهب جرحه. هنا نظرت نظرة عتب إلى المهندس أبي عدي وقلت له تلك المقولة المشهور التي قلما أحد ما منا لم يستخدمها وهي " حتى أنت يا بروتس؟.. إذاً فلتسقط روما".
فهم أبو عدي قصدي من تلك المقولة وأومأ لي وغمز بأن سيخلع السدادتين من خشمه ولكن بعد أن يذهب الجمع. لم أشأ أن أدخل في جدل مع زوار أبي عدي وتغاضيت عن الموضوع وطلبت منهم أن يتركوني معه حتى افحصه.
عدت إلى المنزل تلك الليلة وموضوع الشمم شاغلني. فأنا لم أسمع من أحد والدي اللذين يعيشان في أم القرى بمكة المباركة عن أن شم العطر أو البخور يؤدي لالتهاب الجروح وكنت أعتقد أنه اعتقاد نجدي خاص بباديتها دون حضرها وبكبار السن دون كهولها وصغار السن من سكانها، إلى أن وجدت من حاضِرْتِها من مقتنع بذلك بل ومعتنق لهذا الاعتقاد الذي يقول إن تعرض المريض في أول 10 أيام من العملية لأية عطور مهما كان مصدرها يؤثر على التئام جروحه.
هنا راجعت نفسي واتصلت على جاري الحائلي وسألته عنها ووجدت أن عنده وعند أهله وجماعته نفس الاعتقاد.
![]() |
| رائحة البخور لا تؤثر على الجروح |
قمت بالحديث مع جاري الجنوبي متسائلاً عن نفس الشيء ووجدت نفس الإجابة. اتصلت بوالدتي وسألتها عن الشيء نفسه وكانت إجابتها أن أهلها وأهل بادية الحجاز يعتقدون بالشيء نفسه. سألتها أن تعرفه لي فقالت أن الشمم هو التهاب وألم شديد يأتي بعد العملية أو الولادة أو جرح بليغ إذا ما أشتم صاحبه عطراً أو بخوراً فيبدأ المريض يشكو من انتفاخ في مكان الجرح قد يكون مصحوباً بغثيان أحياناً وعلاجه إما المرة أو قشر البصل أو الحلتيت أو الثل...؟.
![]() |
| الكحول مادة معقمة وهي نفس المادة التي تستخدم في العمليات |
من وجهة نظري ونظر الكثير من الأطباء أن هذا الاعتقاد السائد (الشمم) هو اعتقاد خاطئ، ليس له دليل علمي طبي بل الدليل على عكسه تماما، أن الطيب الذي يستخدمه الناس يحتوي على نسبة كحول تصل الى 70% والكحول مادة معقمة بل وهي نفس المادة التي نستخدمها في العمليات.
يعتقد كثير من الناس أن الشمم يحدث بسبب حساسية الجسم للعطور والدخون مما يؤدي إلى التهاب الجروح وهو من ناحية علمية لم يثبت إلى الآن ولم يصح عن أي طريق بحثي. فنحن كبشر يتعرف جهاز المناعة لدينا على الأجسام التي لها ثقل ذري معين.
فجهاز المناعة يتعرف على البروتينات التي لها ثقل ذري من الممكن تطوير فحص جلدي لها يدل على وجود الحساسية أو لا مثل حساسية الفول السوداني، ووبر القطط أو حبوب اللقاح. لا يوجد في علمنا في يومنا هذا أو مشاهداتنا أطباء كنا أو أناس عاديين ما يدعم أن الروائح والعطور المختلفة تؤدي لأعراض فسيولوجية ونفسية على حد سواء، كما أنه لا يوجد اختبار تشخيصي موثوق به لحساسية العطر.
ولو كان الأمر بهذه الطريقة فإنني أريد منك أخي القارئ أن تجيب على تسألي وهو لماذا لا يصاب المريض بالشمم عدما يدخل عليه شخص ما لم يستحم لعدة أيام وتصدر منه رائحة عرق نفاذة؟!، ولماذا لا يصاب المريض بالشمم عندما يُخْرِج أحد زواره أو مرافقيه أو هو شخصياً ريحاً من بطنه وهي كلها عبارة عن روائح نفاذة؟!. ولنقل أننا نؤمن جدلاً بوجود الشمم فلماذا لا يحدث إلا عند نسبة صغيرة من البشر... ؟! والأسئلة كثيرة لا تنقطع ؟!
لكأنَّ بي أراك أخي القارئ وأنت تحدث نفسك وتقول لي ولكن ما هو أثباتك العلمي لعكس ما أعتقد يادكتور؟! ولماذا تغطي الجرح بلاصق بعد العملية وتمنعنا من لمس الجرح لمدة تتراوح مابين 5 و7 أيام.
والإجابة على هذه التساؤلات هو أن الجروح بعدما تخاط تحتاج الى 48 (ثماني وأربعين) ساعة لتصبح ملتصقة ببعضها جيداً بشكل لا يسمح بمرور الماء وخلافه من البيئة الخارجية للجسد لداخل جسم الإنسان تحت الجرح. وهي الفترة التي يحتاجها المريض أن يبقي اللاصق على جرحه بعدها يستطيع أن يزيل اللاصق وأن يغتسل بالماء والصابون الطبيعي قدر الإمكان دون الخوف على جرحه أن يلتهب أو يصاب بمكروه. أما فكرة الخمسة أيام فقد جاءت من أيام ما كان الطبيب يقفل الجروح بخياطة خارجية فكان يقوم بتغطيتها باللاصق لأنها عندما لا تكون مغطاة بلاصق فإنها تعلق بالملابس وعند تحريكها مع الملابس تسبب ألماً للمريض لذا كان يفضل أن تغطى إلى أن يحين وقت إزالتها. أما التهاب الجرح لدى بعض المرضى فيكون تبعا لنوع العملية.
تنقسم جروح العمليات إلى أربعة أنواع عند النظر لاحتمالية إصابتها بالتهابات ما بعد العملية.
النوع الأول: جروح العمليات النظيفة ونسبة إصابتها بالتهاب هو اقل من 1% ينطبق ذلك على عمليات الثدي والرقبة (الغدة الدرقية) والفتق، فهذه عمليات نظيفة جداً، لا يؤثر عليها الاغتسال والتطيب والبخور البتة.
النوع الثاني: جروح العمليات النظيفة الملوثة! نسبة إصابة مثل هذه الجروح بالتهابات ما بعد العملية تقل عن 5% مثال ذلك عملية استئصال المرارة، وعملية استئصال البروستاتا، فالمرارة والبروستات تعتبر عملية نظيفة، لكن ما يوجد بداخلهما من سوائل يلوث الجرح يعطيه قابلية للالتهاب لا تتجاوز 5%.
النوع الثالث: "عمليات ملوثة" أو غير نظيفة وهذه نسبة قابليتها للالتهاب تتجاوز 5% ولا تتعدى 12%، مثال على ذلك انفجار الزائدة الدودية إنفجار الأمعاء، جراحات القولون والمستقيم. كذلك جروح فتح ونتح (تفريغ) الخراج.
النوع الأخير وهو الجروح الملوثة مثل إنفجار القولون أو إنفجار خراج داخل تجاويفي الجسد (الصدر والبطن والدماغ) وجروح حوادث السير ومصابي الحروب والمصانع الكبرى في البلد. تصل نسبة إصابتها بالتهاب 30%.
لا أنصح ولا ينصح زملائي الأطباء باستخدام الاعشاب (مرة، حلتيته، خاوا جاوا، ثل، أو غيرها) كواقٍ ضد الشمم لأننا لا نعلم كيفية تحضير الخلطة ونظافتها فقد تحتوي على كثير من الجراثيم اضافة إلى أنه لا تعرف "ماهيتها" وهل هناك مواد كيماوية ضارة بصحة المريض داخلة في تكوينها ولا نضمن ان هذه المواد الكيماوية مواد معقمة، وإن سلمنا بذلك فلا نسلم بأن المواد التي بها نظيفة فقد تكون مختلطة بمكروبات مجهرية ضارة مثل البكتيريا والفيروسات تضر الجسم أكثر من نفعه.
أخي القارىء/(ئه) عند حدوث التهاب بهذه الجروح لا قدر العلي الكبير فالرجاء العودة للجراح أو التوجه لأقرب مستشفى لعلم ما يلزم من تنظيف للجرح وصرف الأدوية المناسبة رجاء.






ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق